top of page
Search
Writer's pictureMichael Kuhn

فايروس كورونا والجماعة

استمعت الليلة الماضيَّة لعظة ألقاها تيم كِلر ’’Tim Keller‘‘ بعنوان ’’الآب والابن والروح القدس‘‘. يمكنك الاستماع إليها عبر هذا الرابط. هي جديرة بالاستماع.

ولقد دفعتني للتفكير بهذا السؤال: لماذا نريدُ جميعنا أن ينتهي فايروس كورونا؟ هل لأنَّنا نرغب بالعودة للحياة العاديَّة التي كنا نعيشها؟ ربَّما. أو لأنَّنا نودُّ انتهاء المرض والموت. بلا شك. وأظنُّ أيضًا أنَّنا نريد الخلاص من ’’التباعد الاجتماعيِّ‘‘ و’’الحجر الصحِّيِّ‘‘. نأملُ جميعنا أن تعود علاقاتنا كما في السابق. أنا أريد ذلك حقًّا. أشتاق لرؤية أولادي وأحفادي وما من أمرٍ يُعوِّضُ عليَّ احتضان الأحفاد وعناقهم.

لماذا يحدث ذلك؟ لماذا نُحبُّ؟ هل هو إفراز كيميائيٌّ في الدماغ يفسح لنا في المجال لأن نُنجِبَ أطفالًا ونُحافظ على الجنس البشريِّ؟

نُدرك غريزيًّا أنَّ الأمر أعمق من ذلك.

الله هو محبَّة.. جماعة علائقيَّةٌ بلا بداية ولا نهاية.. الله الآب-الابن-الروح القدس. لقد أوجدنا نحن البشر على صورة ذاك الحبِّ المتبادل مُعطي الذات. لذا نتوق إليه. نشتاق إليه عندما ننقطع عنه. إن حُرمنا منه لفترة طويلة قد نفقد توازننا النفسيَّ. لقد خُلقنا لأجله لذا لا تنفع الحياة بدونه.

بالنظر لأهمِّيَّته لنا، هل يصدمك غرابة قولنا أن لا أحد يفهم الثالوث فهمًا كاملًا؟ نحن خُلقنا لحبِّ مشترك ومتبادل، علاقات متبادلة تُعطي المعنى والجمال لحياة كلِّ واحد منا. ومع ذلك عندما نتحدَّثُ عن ذلك في الله الآب-الابن-الروح القدس، فغالبًا ما نتحدَّثُ عن مدى صعوبة فهمه أو شرحه! أنا أعرف صعوبة شرح ذلك منطقيًّا، ولكن حقيقة اشتياقنا العلائقيِّ العميق يُفسِّرُ الله الآب-الابن-الروح القدس بصورة أفضل من أيِّ معادلةٍ أو تشبيه.

لذا عندما نُلخِّصُ إيماننا، نتجنَّبُ عادةً الحديث عن شخصيَّة الله الثالوثيَّة. نُفضِّلُ أن نتحدَّث عن خلاصنا (على سبيل المثال، مات المسيح لأجل خطايانا). هذا حقيقيٌّ، لكن ثمَّة واقع يدعم حقيقة موت المسيح من أجلنا. هذا الواقع هو أنَّ الله الذي خلقنا من فيض محبَّته الإلهيَّة، ونحن أبعدنا أنفسنا عنه، لذا أتى ألينا بغية أن يُعيدنا إلى معانقة ذاك الحبِّ الإلهيِّ.

في الحقيقة، في قرونها الأولى، وضعت الكنيسة عقيدة الله الآب-الابن-الروح القدس في صُلب الإيمان المسيحيِّ. انظر كيف صاغ أثناسيوس ’’Athansius‘‘ (في القرن الرابع الميلاديِّ) ذلك:

كلُّ من يريد أن يخلص فليتمسَّك بالإيمان الكاثوليكي (الجامع). كلُّ من لا يتمسَّك به كاملًا وغير مقسَّمٍ فسيهلك للأبد بلا شك. وهذا هو الإيمان الكاثوليكيُّ: أنَّنا نعبد إلهًا واحدًا في ثالوث والثالوث في اتِّحاد. (اضغط على هذا الرابط لتقرأ بيان الإيمان لأثناسيوس)

بحسب أثناسيوس (ومعظم آباء الكنيسة) الثالوث هو خُلاصة وجوهر الإيمان المسيحيِّ.

كما يُشير كيلر، أنَّ طبيعة الإله الذي نعبده تُؤثِّر في كيف نحيا هذه الحياة. ما يُسميه هو الإله ’’الأُحاديُّ‘‘ -الإله الموجود بمفرده- يعجز عن أن يُحبَّ لأنَّ الحبَّ أمرٌ يكنُّه شخصٌ لآخر. ذاك الإله مَدفوعٌ بالقوَّة وأتباعه يميلون للتشديد على حفظ القانون وهذا يُفضي للناموسيَّة.

إله الإنجيل (البشارة) على النقيض من ذلك، هو إله ’’ثالوثيٌّ‘‘. تبعات ذلك عديدة. أوَّلًا، علاقاتنا تهمُّ الله بقدر ما تهمُّنا. ’’أحبب قريبك كنفسك‘‘.

يريد الله أن نكون في علاقات محبَّة وحميمة لأنَّه هو هكذا. إله كهذا يدفعك لأن ترغب بعلاقة معه، صحيح؟

يقتبس تيم كيلر من كورنيليوس بلانتينغا ’’Cornelius Plantinga‘‘:

يُمجِّدُ الآب والابن والروح القدس بعضهم بعضًا. يعني ذلك أنَّ الأقانيم في الله تُمجِّد وتتواصل وتخضع لبعضها البعض. كلُّ أقنومٍ منهم يضع الآخرين في مركز وجوده بحركة مستمرَّة من الانفتاح والقبول، كلُّ أقنوم يحتوي الآخرين ويحيط بهم. لذلك تفيض الحياة الداخليَّة لله بحبٍّ باذل للآخرين.

لقد ولدنا جميعنا من فيض ذاك الحبِّ المعطاء الذي يحتوي ويُحيط. لذا نودُّ أن نكون في علاقات، ولهذا السبب نُحبُّ. لهذا نُريد أن ينتهي فايروس كورونا.

في المرَّة المقبلة التي تُحاول فيها تلخيص إيمانك، فكِّر باستخدام كلمات مثل ’’علاقة، حبٍّ متبادل وباذل‘‘ و ’’الله الآب-الابن-الروح القدس‘‘.

شكرًا لك على علاقتك معي عن طريق قراءة هذا التأمُّل. أتمنَّى أن تجد في هذا الموقع الإلكتروني ترحابًا..

29 آذار 2020 (بيلنغهام، واشنطن)


 

1 تيموثي جيه. كِلر، (ولد عام 1950) هو قسٌّ ولاهوتيٌّ ومدافعٌ عن الإيمان المسيحيِّ. وهو مدير وشريك مؤسِّس Redeemer City to City التي تسعى لتدريب رعاة للخدمة في المدن حول العالم. وقد زرع كنيسة الفادي المشيخيَّة (Redeemer Presbyterian Church) في مدينة نيويورك في أمريكا. له كُتب عديدة ومترجمة للغة العربية، منها الإيمان في عصر التشكيك، لقاءات شخصيَّة مع يسوع، حرِّيَّة نسيان الذات، منطقيَّة الإيمان بالله.


2 القديس أثناسيوس: كان أسقف الإسكندرية. هو لاهوتيٌّ مسيحيٌّ ومن آباء الكنيسة الشرقيَّة. دافع عن عقيدة الثالوث ضد الهرطقات في عصره.


3 كورنيليوس بلانتينغا: لاهوتيٌّ مسيحيٌّ من أمريكا. علَّم اللاهوت النظاميَّ في كليَّة كالفن اللاهوتيَّة (Calvin Seminary). وهو أستاذ باحث الآن في جامعة كالفن (Calvin University) له عدَّة مؤلّفات بالإنكليزيَّة.

39 views0 comments

Comments


bottom of page